أكد وزير المالية أن تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود لا يمكن أن يكتمل دون الالتزام التام بالانضباط المالي، مشدداً على أن الاستدامة المالية هي القاعدة الصلبة التي تنطلق منها كافة الخطط التنموية. وجاءت هذه التصريحات لتسلط الضوء على العلاقة الطردية بين كفاءة الإنفاق الحكومي وبين نمو القطاعات غير النفطية، حيث كشف الوزير عن رقم لافت يعكس حيوية القطاع الخاص، وهو وصول عدد المنشآت المملوكة للمواطنين إلى 1.65 مليون منشأة.
أهمية الانضباط المالي في معادلة التنمية
يأتي التشديد على الانضباط المالي في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولات اقتصادية جذرية. فالتنويع الاقتصادي ليس مجرد هدف طموح، بل هو مسار استراتيجي يتطلب إدارة دقيقة للموارد المالية. يعني الانضباط المالي هنا القدرة على تمويل المشاريع الكبرى والمبادرات التنموية دون تعريض ميزانية الدولة لمخاطر العجز غير المسيطر عليه أو التأثر الحاد بتقلبات أسواق الطاقة العالمية. ومن خلال ضبط النفقات وتوجيهها نحو القطاعات ذات العائد الاقتصادي المستدام، تضمن الدولة استمرار ضخ السيولة في شرايين الاقتصاد، مما يعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
طفرة في نمو المنشآت الوطنية
وفي سياق الحديث عن ثمار الإصلاحات الاقتصادية، يُعد الرقم الذي أعلن عنه وزير المالية بخصوص وصول عدد المنشآت المملوكة للمواطنين إلى 1.65 مليون منشأة مؤشراً دقيقاً على نجاح برامج تمكين القطاع الخاص. يعكس هذا الرقم نمواً ملحوظاً في ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعتبر المحرك الرئيسي لخلق الوظائف والابتكار في الاقتصادات الحديثة. هذه الزيادة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج حزمة من التسهيلات التشريعية، وتطوير البيئة الاستثمارية، وتسهيل إجراءات بدء الأعمال التي تبنتها الحكومة في السنوات الأخيرة.
السياق التاريخي ورؤية 2030
بالعودة إلى الخلفية التاريخية، كان الاقتصاد السعودي قبل إطلاق رؤية 2030 يعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، مما كان يجعله عرضة للدورات الاقتصادية المرتبطة بأسعار النفط. ومع إطلاق برنامج التوازن المالي (الذي تطور لاحقاً إلى برنامج الاستدامة المالية)، وضعت المملكة خارطة طريق واضحة لفصل الإنفاق الحكومي عن تذبذب أسعار النفط. هذا التحول الهيكلي هو الذي مهد الطريق اليوم للحديث عن تنويع اقتصادي حقيقي مدعوم بقاعدة مالية منضبطة.
الآثار الاقتصادية المتوقعة
إن الجمع بين الانضباط المالي ونمو قاعدة المنشآت الوطنية يحمل دلالات إيجابية لمستقبل الاقتصاد الوطني. فعلى الصعيد المحلي، يؤدي ذلك إلى زيادة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أهم مستهدفات الرؤية. أما على الصعيد الدولي، فإن التزام المملكة بالانضباط المالي يعزز من تصنيفها الائتماني، ويجعلها وجهة أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية التي تبحث عن بيئات اقتصادية مستقرة وتتمتع بحوكمة رشيدة.

